ملاك الغفران

[1]1,219 words

English original here [2]

بقلم موريس في. دي كامب

الملاك (2018)
إخراج آريال فرومان لِنتفلكس
بطولة: مروان كنزاري، توبي كِبل، هانا وير، سابير أوزولي، و ساسون جاباي

من أكبر الأخطاء الأمريكية في الحرب على العراق – بجانب شن الحرب ذات نفسها- هو اجتثاث البعث الممنهج وحظره، والذي تم تخطيطه من جانب القيادة اليهودية في البنتاغون، وأقصد “بالأخطاء” من وجهة النظر للأمريكيين البيض على السياسات، من وجهة نظر اليهود، حل البعث والفوضى التي تبعتها ليست خطأ ولكن جزء من إطار الحرب العراقية.

يمكن فهم تنظيمات المجتمع اليهودي عن طريق مشاهدتهم يفعلون غير ما يقولون، هذا هو مفتاح التعامل اليهودي سواءً كان في الداخل الإسرائيلي أو في الشتات، بأن يقحموا المجتمعات المضيفة ومجتمع العدو بالقدر الممكن من المشاكل الداخلية المعقدة. في أمريكا دعموا الحركات التحررية، منهين بذلك سياسة الفصل التي كانت تبقي على التوازن الإجتماعي، مثال ذلك قانون هارت سيلر الذي صمم بعناية من قبل اليهود واحلافهم في الحكومة الأمريكية لإنهاء حال البيض كأغلبية عن طريق ضخ المهاجرين إلى المجتمع الأمريكي، بينما في الدول العربية يسعون لتدمير الحكومات القومية لاستبدالها بالجماعات المتطرفة.

نتفلكس والإسترخاء مع القوميين العرب

منذ فهمي لهذا الواقع وأنا مهتم بنظرة علمانيي القوميين العرب، لذا عند مشاهدي لدعاية فيلم “الملاك” صباح السبت، شاهدته فوراً.

الفيلم عن الدبلوماسي المصري أشرف مروان والذي كان جاسوساً، طريقة أعماله التخريبية ما زالت محل جدل، وقد مات في 2007 إثر سقوطه أو دفعه للسقوط من أعلى مبنىً، حسب من تسأل، من المحتمل أن مروان كان عميلاً مزدوج، يسعى للمصالح المصرية في حين يعمل مع المخابرات الإسرائيلية.

لم يكن الفيلم فيلم إثارة وتشويق مثل المهمة المستحيلة، مشاهد مروان وهو يطارد في لندن كذلك الشقراء في السيارة المكشوفة صورت بشكل متواضع، وكأنها أخذت من قصة حقيقية، رغم ذلك، فإخراج الفيلم جيد، والقصة مثيرة بشكل كاف.

أصبح مروان جاسوساً لصالح إسرائيل بعد موقفه المحرج مع حماه، جمال عبد ناصر `1`ضمن حفل عشاء، حما مروان  هو رئيس قومي مشهود والذي أمم قناة السويس وأتمَّ استقلال مصر، إنغمس مروان كذلك بالمقامرة وأثقله ذلك بالديون، وهكذا أصبح مروان يحمل الصفات المناسبة للجواسيس وهي: المال، المنهج، القسر، والغرور. هاتف مروان السفارة الإسرائيلية بلندن، وتواصل مع أحد أفراد المخابرات الإسرائيلية.

بعد موت ناصر، أصبح مروان مستشاراً ذو ثقة للرئيس السادات، تلا بالقصة ما يشابه فيلم المعطف والخنجر اضافة إلى ارتقائه الدبلوماسي. مروان أعطى تحذير لإسرائيل بخطة الهجوم المصرية في يوم الغفران، أعلمنا بعدها بأن هذه الحركة أبدته كبطل من الجانب الإسرائيلي والمصري، لأنه تسبب في انقاذ الكثير من الأرواح في حرب 1973.

الكثير من اليهود شارك في صناعة الفيلم، برغم أن الآراء في الصحف المصرية والإسرائيلية كانت قاسية. يبدوا أن آلام جروح حرب اكتوبر لا زالت نابية، من اسباب ذلك أن صورة مروان والسادات رسمت كرجلان صلبان – الصورة النمطية للعرب والمتعصبين في أفلام هوليوود.

حرب الغفران (حرب أكتوبر)…

ما يجعل هذا الفيلم جدير بالملاحظة، هو أن الحرب في الفيلم تجعلنا نفهم لماذا هيلاري كلنتون، المحافظين الجدد واللوبي الاسرائيلي والحكومة الاسرائيلية يسعون الى زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط، كتدعيم داعش في سوريا، يحتاج المرء لفهم هذه الأزمة.

عندما قام أشرف مروان بتسريب المعلومات لاسرائيل، كان وضع مصر كالآتي:

إسرائيل بدت كبيرة سنة 1967 ولكن كتب ويلموت روبرستون…كل هؤلاء الذين أخذوا بالصحراء – ليس الأمريكان اليهود فقط، وإنما الصهيونية ومؤيدي الصهيونية في كل مكان- عليهم الحذر من السراب `2`

تأثر أنور السادات بموقف عبد الناصر جراء القضية المصرية الإسرائيلية، وقرر أنه إن أراد استعادة سيناء، فعليه أن يرى اسرائيل أنه قوة لا يستهان بها، وهذا افضل الطرق للمضي بالسلام، وكما كتب ويليام روبرتسون:

“…التعداد السكاني للدول العربية المجاورة …يتخطى بمراحل الصهاينة الغرب تقنياً وعسكرياً، ولكنهم ليسوا بطبيعتهم حاملون الرماح، وربما لا يستطيعون صنع أسلحتهم بأنفسهم، ولكنهم يعلمون من أين تشترى، وهم بالتأكيد قادرين على الشراء.”`3`

أعاد السادات بناء الجيش، اضافةً الى ذلك، استطاع المصريين من الاستثمار في الثورة العسكرية في فترة السبعينات، تكنولوجيا الصواريخ تطورت، أصبح الجندي بإمكانه تدمير مدرعة بواسطة قذيفة صاروخية محمولة فوق الكتف، وجنود قليلي الخبرة قادرون على إدارة منظومة صاروخية تمنع اسرائيل من الأفضلية الجوية، حتى مع توافر الطيارين الإسرائيليين ذوي الخبرة.

جيش السادات أحكم خطة عبقرية، ارهاق دفاع خط بارليف، ومن ثم التصدي للهجوم المضاد الذي يتبعه، قبل الحرب قام المصريون باستخدام خدع التنقل الحربية، في هذا الوقت، كان أشرف مروان يبعث لإسرائيل بالمعلومات الخاصة في هذه التحركات، كان السادات دائماً لا يعلن عن وقت الهجوم سوى في اللحظات الأخيرة، لذا الإسرائيليون اعتادوا للرهاب الحربي. عند بدء الهجوم، تعمد مروان إعطاء الوقت الخاطئ للهجوم، معطياً الجيش المصري أفضلية أربع ساعات للهجوم المباغت.

اجتياز قناة السويس عام 1973 من قبل القوات المسلحة المصرية، لحظة من اللحظات التاريخية في تاريخ القرن العشرين

احتشد الجيش الاسرائيلي وصد الهجوم السوري في الشمال وانتصر، وأنجز ما كان يبدو انتصاراً تكتيكياً على الجيش المصري من خلال تطويق فرقة المشاة الثالثة، مع ذلك، متيجة لخسارة ثلاث آلاف جندي في أقل من يومين، أعاد السادات سيناء عن طريق الاستراتيجيات العسكرية ومفاوضات السلام.

إذاً، من خسر سوريا

الدرس الأكثر أهمية الذي استفادته اسرائيل بعد حرب أكتوبر ليس بعرفة كيفية صنع صواريخ صقر المضادة للدروع، وليس أن القوميين العرب قادرين على تكبيد خسائر جمة لهم.

بدلاً من ذلك كان الدرس في اكتوبر 1981 عندما تم اغتيال السادات على يد خالد الاسلامبولي، نتيجة لذلك أدركت إسرائيل أن الخطر الحقيقي على القوميين العرب ليس القوة الإسرائيلية، ولكن عن طريق الجماعات المتطرفة.

قال الإسلامبولي، أنه كان غاضباً من السادات إثر تنازلاته لإسرائيل، ولكن الأمر يتعلق بالأفعال لا بالأقوال، بغض النظر عمّا كان الملازم الإسلامبولي يهدف، أفعاله تسببت بحصار المجتمعات والحكومات العربية عن طريق تشجيع الجماعات الاسلامية.

إدارة السلفية الجهادية ضارة للغاية، بشكل متعمد أو عفوي، بإستخدام النصوص خارج سياقها، أو عدم فهم بعض الأسس والمبادئ، وجهوا كمية كبيرة من القوة التدميرية نحو الداخل، أنا أتكلم عن الفئة التي تعتبر أن من يختلف معها هو خائنٌ يستحق الموت وهو أخطر من اسرائيل، استطاعت الادارة المصرية من كبح جماح الحركات الجهادية دون إراقة الكثير من الدماء، ولكن لبنان والعراق وسوريا عجزوا عن ذلك، كل مكان خرج منه القوميين العرب وزادت سيطرة السلفية الجهادية يقدمون على قطع الرؤوس و استحداث أسواق النخاسة، واليوم المتطرفين أصبحوا هم رأس الحربة للمشروع الصهيوني عن طريق إضعاف الداخل وهدم ما صنع القوميين العرب، وليس بالضرورة من الذكر، أن هذه الجماعات روعت المجتمعات من كاليفورنيا إلى باريس.

ونهاية القول، أن حرب أكتوبر كانت عبءً على أمريكا، اسرائيل طلبت من امريكا كمية كبيرة من الذخيرة أثناء الحرب، ما أثقل كاهل أمريكا للدفاع عن أوروبا من حملات الاتحاد السوفيتي، اضافة الى أزمة الحرب الباردة التي كادت لتؤدي إلى حرب نووية.

إن حدث كالذي حدث بين اسرائيل ومصر أثر سلباً اقتصادياً واجتماعياً في السبعينات كأثر حرب الفيتنام على الولايات المتحدة، حملة مقاطعة النفط التي حصلت سببت الكساد لأمريكا وأوروبا، اضافة الى ذلك، التقدم التقني للقرن التاسع عشر المتمثل بقناة السويس كان متوقفاً ما بين 1967 و1975، ارتفاع رسوم الشحن إثر إغلاق قناة السويس زادت من الأعباء المالية، واغتيال روبرت إف. كينيدي قتل من مهاجر أردني من أصل فلسطيني في 1969 كردة فعل لدعم اسرائيل – مثال آخر للنكسة الأمريكية نتيجة للسياسات المتهورة لأمريكا في الشرق الأوسط.

ولم ينتهي الأمر بعد، دعم هيلاري كلينتون والراحل جون ماكين للمتطرفين في الثورة دعموا اسرائيل، والهمجية تنتشر في كل مكان، حتى أنهم أعادوا العبودية، المثير للسخرية أن من يدعم المتطرفين يحاول يهدم انجازات القوميين المستبدين في القرن الماضي.

المصادر

1- تروي ساوثغيت كتب سيرة لائقة عن عبد الناصر بعنوان نسر صلاح الدين (الجبهة السمراء، 2017)

2- ويلموت روبرتسون، الأغلبية المهملة، النسخة الثالثة(كيب كانيفارا، إف إل. : هاوارد آلن ، الشركات، 1981) ص 512

3- نفس المرجع.